عمر بن الخطاب والخوف من النفاق- دروس في الإخلاص والصدق

المؤلف: خميس الزهراني10.06.2025
عمر بن الخطاب والخوف من النفاق- دروس في الإخلاص والصدق

إن استحضار اللحظات الختامية في حياة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه وأرضاه، يقودني على الدوام إلى غوص عميق في بحر التأمل، فتلك الساعات الأخيرة تجسد أصدق صور التعبير عن الذات؛ إذ لا مكان فيها للتصنع والتزييف، أو لتنميق الحديث بطلاوة زائفة وقشور مثالية، بل يقف المرء أمام الحقيقة العارية، متخليًا عن كل بهارج الدنيا الزائلة وزخرفها الخادع.

وعندما نتتبع عن كثب اللحظات التي سبقت ارتحاله إلى الرفيق الأعلى، نتبين أن جلّ اهتمامه كان أن يلقى ربه بقلب سليم، خالٍ من الخديعة والزيف، فقد رُوي أنه سأل حذيفة بن اليمان، الأمين على سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأن المنافقين، عما إذا كان اسمه مدونًا بينهم.

وعلى الرغم من تطمين حذيفة له وطمأنته ببراءته ونقاء سريرته، إلا أن قلبه ظل يخفق وجلاً، فالمؤمن الحق بطبعه يخشى على نفسه من الوقوع في براثن النفاق، فكلما ترسخ الإيمان في قلب امرئ مؤمن، ازداد خوفه وتوقيه، فكان عمر رضي الله عنه لا يتقدم للصلاة على أحد المتوفين حتى يسبقه حذيفة، مخافة أن يكون المتوفى من زمرة المنافقين الذين نهى الله عن الصلاة عليهم، فإذا ما صلى حذيفة على شخص، تبعه عمر امتثالًا واقتداءً.

فكيف له أن يقتدي ويصلي خلف منافق ظهر نفاقه؟

وإذا ما أمعنا النظر في هذا المنحى بالتحديد، نجد أن الوجل والقلق من النفاق لم يقتصر على شخصية عمر الفاروق وحده، بل إن حتى كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكونوا في مأمن من هذا الهاجس. فقد رُوي في الحديث الصحيح عن حنظلة الأسيدي، أحد كتّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله يُذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيراً. فقال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله، فقلت: نافق حنظلة، يا رسول الله! فقال رسول الله: وما ذاك؟ فقلت: يا رسول الله، نكون عندك تُذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فُرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة».

إن التدبر والتفكر في هذا الحديث النبوي الشريف، يكشف لنا صورة جلية عن مدى خشية الصحابة الكرام من الوقوع في النفاق، على الرغم من ملازمتهم الدائمة للنبي صلى الله عليه وسلم، وتحذيرهم الشديد من نفاق القلوب وزيفها، بل إن أبا بكر الصديق، وهو خير هذه الأمة بعد نبيها، قد أحس بما أحس به حنظلة من تغير وتبدل في الأحوال. فكيف بنا نحن في هذا الزمان، هل نحن بصدد محاسبة أنفسنا في كل وقت وحين؟ وهل نلتزم بالصدق والإخلاص في نوايانا وأعمالنا، أم أننا نتساهل ونتهاون في هذا الأمر، حتى يصبح النفاق أمرًا مستساغًا ومعتادًا في حياتنا اليومية؟

إذا كان الفاروق عمر والصديق أبو بكر، وهما من خيرة من بشّرهم الله بالجنة، يخافان النفاق ويخشون مغبة الوقوع فيه، فكيف بنا نحن؟ بل كيف يرضى امرؤ لنفسه أن يقتدي بشخص منافق أو أن يصلي خلفه وهو على دراية تامة بحقيقته المرة؟ فالنفاق داء عضال، ومن اعتاده واستمرأه، فلن يسلم حتى من زيف صلاته وريائها، فكما أن الإيمان الحق يظهر جليًا في الأفعال والأقوال، فكذلك النفاق، لا تخفى آثاره الدنيئة على صاحبه والمحيطين به.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة